ذهب صاحبنا أبو سالم ليقضي حاجته .. فلم يذهب بعيداً حيث كان الظلام حالكاً .. ومن الصعوبة أن يرجع إلينا إذا ذهب بعيداً .. فأنوار السيارة مطفأة .. أغلقنا الباب فقد كانت برودة الجو قارصة ..
وفجأة .. سمعنا صراخاً .. اختلط بعواء .. استغاثة .. وبكاء .. .. نداء ورجاء .. يا إلهي .. أبو فهد ماذا حدث ؟ .. لا أدري !
أظنه يا أبا فهد ذئباً ! نعم ..... هو كذلك ..
فقد هجم أحد لذئاب الجائعة على أخينا أبي سالم ومزقه وقطعه بمسمع منا فصراخه واستغاثته لا زالت ترن في أذني .
تمسكت بأخي أبي فهد .. وأخذت أبكي وكأني طفل في حجر أمه .. فما كان منه إلا أن بكى معي ، وأخذنا نرتعد ونتخيل ما حل بصاحبنا أبي سالم .. فما هي إلا ثوان حتى سمعنا عواء قطع سكون الليل .. إنه قطيع من الذئاب أتى من جميع أنحاء المنطقة ليتجمع حولنا فقفزت مسرعاً لأغلق زجاج الأبواب وأقفلها بإحكام فقد قفزت تلك الذئاب على السيارة وأخذت تطرق الزجاج وتعوي وعيونها تتلألأ في هذه الظلمة فما عدت أحتمل ذلك فأغلقت عيني وكان قلبي يخفق ويضرب بسرعة كبيرة كذلك كان أخي أبو فهد ...
وفجأة وجدتني أقرأ المعوذات وأبكي أقرأ وأبكي وأدعو الله وأتضرع إليه أن ينْجينا مما نحن فيه وهكذا فعل أخي أبو فهد فكنا ندعو ونبتهل إلى الله في خشوع ورهبة ما شعرنا بها من قبل فقرأت آية الكرسي وطلبت من أخي أن يرددها خلفي فلم يكن يحفظها وظللنا على هذه الحال فشعرنا بعده بطمأنينة وخشوع حمدنا الله على ذلك كثيراً وبلا شعور منا غططنا في نوم عميق .
عندما فتحت عيني .. لم أصدق ما أرى إنني حي .. إنني حي ..
- أبو فهد استيقظ .. هيا استيقظ ..
- آه أبو يوسف .. ماذا حدث ؟
- نحن أحيا يا أبا فهد .. نحن أحياء ..
- حقا يا أبا يوسف نحن أحياء .. الحمد لله .. الحمد لله ..
- كانت ليلة عصيبة يا أخي " أبا فهد " ..
- حقاً يا أبا يوسف كانت ليلة عصيبة .. صحيح يا أبا يوسف .. ماذا .. ماذا جرى لأبي سالم ..
- حقاً تعال لنبحث عنه ..
عندما فتحنا الباب رأينا آثار أقدام الذئاب .. ولما وصلنا إلى مؤخرة السيارة ..
- يا إلهي لا أكاد أصدق ما أرى .. دم .. دم أبا فهد لا أستطيع أن أرى شيئاً لنذهب بسرعة أرجوك .
بكينا كثيراً على أخينا أبي سالم فقد انتثرت دماؤه في كل مكان كانت بقع الدم عالقة بمؤخرة السيارة .. كأنه يحاول أن يتمسك بها يريد أي شيء يساعده .
أبو يوسف : أبا فهد هيا نصلي الفجر . قبل أن تطلع الشمس ، كبرت وصليت يا أخي صلاة ملؤها الخشوع والخضوع .. صلينا وكأننا لأول مرة نصلي .. إن لهذه الصلاة لحلاوة لا أستطيع وصفها وعندما انتهينا من الصلاة .. التفت إلى أخي أبي فهد ..
فقلت : أراد الله بنا خيراً بهذا الموقف الذي حدث ليلة البارحة فهذا الموقف عرفنا الله ، فهو وحده سبحانه كاشف الضر ونرجوا من الله أن يقبل توبتنا ..
ابتسم وقال : إن شاء الله .
صمت برهة ثم قال : استقلينا السيارة وحددنا أن يكون اتجاهنا إلى الشرق .. وليفعل الله ما يشاء بنا ، توكلنا على الله فبدأنا البحث وكنا في السيارة نتلو بعض السور والآيات ونتحدث عن تلك اللذة التي شعرنا بها ونحن نصلي ونناجي الله .. ونترحم على أخينا أبي سالم ..
أبو فهد : انظر لقد أوشك الوقود على الانتهاء .
أبو يوسف : لا عليك فمعنا جالونان من الوقود ، هيا لتعبئة السيارة ..
وعندما انتهينا من التعبئة بحثنا عن شيء نأكله فلم نجد سوى قنينة من الماء لا تكفي لغير يوم واحد فاكتفينا ببضع لقيمات من الخبز وقليل من الماء لنرطب بها شفاهنا وحلوقنا فلم تكن الكمية كافية لنرتوي بها فأمامنا طريق لا نعلم متى ينتهي وبذلك يجب أن نقتصد في الماء وعندما استوت الشمس في كبد السماء كان البحث قد أعيانا وبدأ الوقود ينضب نزلنا من السيارة لنصلي الظهر وندعوا الله أن يفك كربنا بعد ذلك واصلنا سيرنا وما هي إلا دقائق وتتوقف السيارة .
أبو يوسف : أبا فهد لم يبق سوى جالون وما عساه أن يفعل .
ابتسم ابتسامة الرضا وقال : الله معنا فما مصير قوم الله معهم .. لنقم بالتعبئة ونواصل سيرنا ..
عندما انتهينا قلت لأبي فهد : هذه فرصتنا الأخيرة وإلا فالموت مصيرنا إذا لم نصل إلى شيء ..
قال : لنستسلم إذن للموت ولنحمد الله الذي لم يقبضنا إليه ونحن في ضلالة .. ولنحمده أيضاً على هدايته لنا ، وندعوه أن يتوب علينا ويغفر لنا ما كان منا وبدأنا نشق طريقنا في هذه القفار كأننا في عالم آخر ..
السكون يخيم على المكان ولا نسمع غير صوت الرياح التي تحرك تلك الشجيرات الشوكية المتباعدة يخالطها صوت محرك السيارة ..